سمعان العمودي (389-459):
قديس وناسك سوري عربي ولد في قرية سيسان بين سورية وقيليقية في الربع
الأخير من القرن الرابع. عاش في منطقة حلب في سوريا وهو أول من ابتكر طريقة التنسك على عمود
حجري، وهي طريقة انتشرت بعده في كافة مدن ومناطق الشمال السوري ومنها إلى أوروبا. يقع دير القديس
سمعان وقلعة سمعان وفيها العمود الذي تعبد وتنسك فوقه القديس سمعان في منطقة جبل سمعان شمالي حلب في سورية وبلغ طول العمود حوالي 15 متراً. وصفه تيودوريطس أسقف قورش في كتاب يتحدث فيه عن نساك سوريا، ونسب
إليه الكثير من المعجزات، منها أنه كان يقضي الصوم الأربعيني منتصباً على قمة العمود ليلاً
ونهاراً دون طعام أو شراب، ويقال أنه توفي بهذه الهيئة. بعد وفاة القديس
سمعان بنى الإمبراطور الروماني في نفس المكان كنيسة فخمة حول العمود لا
تزال قائمة اليوم ما عدا السقف ضمن آثار دير كبير. أصر بطريرك أنطاكية على نقل جثمان
سمعان إلى أنطاكية بأمر من الإمبراطور ليون، ولكن الأهالي رفضوا، فأرسل الإمبراطور 600 جندي للقضاء
على مقاومتهم، واستطاع نقل الجثمان إلى كنيسة القديس قسطنطين في أنطاكية. نقل
الرفات لاحقاً إلى القسطنطينية ودفن في كنيسة آياصوفيا. أصبحت الكنيسة في جبل سمعان في سوريا مقصداً للحجاج المسيحيين من أوروبا والشرق
فكان الناس تحج إليها طوال العام، حررها صلاح الدين من الصليبيين وحولها إلى قلعة
عسكرية، لا زالت تعرف باسم "قلعة سمعان" ودير سمعان وهي من الأماكن
الأثرية المسيحية الهامة في سوريا.
تقع
كنيسة القديس سمعان العمودي على بعد
/60/كم شمال غرب مدينة حلب، وقد شيدت باسم
القديس سمعان عام 476 ميلادية، والذي توفي عام 459 ميلادية، وتقسم إلى قسمين: 1- الكاتدرائية أو الكنيسة الكبرى. 2- كنيسة المعمودية أو الكنيسة الصغرى. الكنيسة الكبرى تحتضن كنيسة مار سمعان العمودي عامود القديس
سمعان في منتصف البناء المثمن الشكل والذي تلتقي فيه أربعة كنائس لتشكل صليباً،
وتبلغ مساحة الكنيسة 5000/متراً مربعاً. تتشابه الكنائس أو الأضلاع الغربية
والشمالية والجنوبية من حيث الحجم بالنسبة إلى قاعدة عامود القديس، أما الضلع
الشرقي فهو أعظم تلك الكنائس سعة وأجملها زينة وأهمها شأناً وأطول من بقية
الأضلاع، وليس على خط مستقيم تماماً مع الضلع الغربي وإنما ينحرف قليلاً إلى
الشمال ذلك أن الجهة الشرقية من قاعدة عامود القديس سمعان المربعة غير متجهة
تماماً نحو الشرق، فاقتضى الأمر إلى إمالة الضلع الشرقي بكامله نحو الشرق. لقد تميز الضلع الشرقي عن بقية الأضلاع
أو الكنائس لكونه كان الكنيسة الرئيسية، ففيها كانت تقام القداديس والصلوات
الاحتفالية أيام الآحاد والأعياد، ويشترك فيها أهل الدير والحجاج على اختلاف
جنسياتهم ولغاتهم، في حين كانت تفتح الكنائس الثلاث الأخرى يومياً أبوابها لجماهير
الحجاج وكان كل فريق يصلي بلغته الخاصة. فن البناء: بنيت الكنائس الأربعة أي أضلاع الصليب
على النمط البازيليك أي على شكل رواق واحد مقسوم إلى ثلاثة أسواق بواسطة
ثمانية قناطر محمولة على تسعة أعمدة، وبهذا فإن الكنيسة تشمل على جميع أنماط
البناء البازيليك والمثمن والمصلب معاً في آن واحد. مقبرة الرهبان: يعود بناؤها إلى نهاية القرن الخامس
الميلادي، وتقع على الشمال الشرقي من الكنيسة الكبرى قرب السور الشمالي، وهي عبارة
عن غرفة مستطيلة الشكل نحتت في الصخر، وتضم في كل من جدارها الشمالي والجنوبي
ثلاثة قبور، وفي الجدار الشرقي قبرين فقط، وقد جوفت ارض هذه الغرفة بقبو حفر
بكامله في نفس الصخرة بغية وضع عظام المتوفين من الرهبان بعد إخراجها من القبور
التي في الجدران، وهناك قبر تاسع خارج الغرفة محفور في سور القلعة الشمالي. دير الرهبان: يشكل بناء الدير الملحق بالكنيسة مع
ضلعيها الشرقي والجنوبي باحة مستطيلة، ويتألف من بناء ذي طبقة أرضية وطبقتين
علويتين فوقها، خصص جزء من الطبقة الأرضية إسطبلاً للحيوانات، وقد أضيفت بعض
الجدران في القرون الوسطى. كانت إقامة الرهبان في الجهة الشرقية
منه وقامت إلى الجنوب الشرقي لضلع الكنيسة الكبرى كنيسة صغيرة أو مصلى خاص بالدير
يستعمل لصلوات الرهبان اليومية، وهي من طراز البازيليك المؤلف من بهو رئيسي
في الوسط وبهوين جانبيين يفصل بينهم أعمدة وأقواس. الحنية كالعادة باتجاه الشرق وجد في
الزاوية الجنوبية الغربية من الكنيسة حجر كبير بديع الزخرفة ربما كان غطاء جرن
المعمودية المستعمل لعماد الأطفال آنذاك، وفي الباحة الفاصلة بين الدير والكنيسة
الكبرى وفي طرفها الغربي تقوم منصة صخرية كأنها أعدت للوعظ، بينما توجد أحواض
صخرية خارج الواجهة الغربية لكنيسة الدير لعلها كانت تستعمل معاصر لصناعة الخمور
أو زيت الزيتون، وتبلغ مساحة الدير مع باحته والمقبرة 5000 متراً مربعاً. بيت وكنيسة المعمودية: يتألف بيت المعمودية من بناء مربع أقيم
في وسطه مثمن في جهته الشرقية حنية في أسفلها حفرة مستطيلة بدل الجرن لمعمودية
البالغين، وهي مكسوة بالقرميد الأحمر ولها دَرَجٌ في الشمال وآخر في الجنوب للنزول
فيها والصعود منها، وهناك قناة لتجري إليها المياه، وبعد المعمودية كان الجميع
يتوجه إلى الكنيسة الملاصقة لهذا البناء من جهته الجنوبية حيث كان يتم استكمال طقس
المعمودية، وتبلغ مساحة كنيسة وبيت المعمودية مع ملحقاتها 2000 متراً
مربعاً. تعتبر كنيسة القديس سمعان العمودي بحق
جوهرة كنائس المدن المنسية، ومن أجمل روائع الفن ومن أضخم وأروع الكنائس التي بنيت
في العالم. |